عدد المساهمات : 844وطني : 0 139704احترام القوانين :
موضوع: لو تركها لدارت إلى يوم القيامة الأربعاء 10 فبراير 2010, 05:55
لو تركها لدارت إلى يوم القيامة
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلــى الله عليه وسلــم قـــال: ( أصاب رجلاً حاجة ، فخرج إلى البرّية ، فقالت امرأته : اللهم ارزقنــا ما نعتجن وما نختبز ، فجاء الرجل والجفـنة ملأى عجيناً ، وفـي التنــور الشواء ، والرحى تطحن ، فقال : من أين هذا ؟ قالت : من رزق الله ، فكنس ما حول الرحى ) ، وقــال عليه الصلاة والسلام لو تــركــها لدارت أو طحنت إلى يوم القيامة ) رواه الطبراني في الأوسط .
معاني المفردات
أصاب رجلا حاجة : أي الفاقة والجوع. الجفنة : الوعاء الكبير الذي يُقدّم به الطعام. الرحا : الحجر الكبير الذي يُستخدم في طحن الحبوب. التنور : الموقد.
تفاصيل القصّة
جعل الله هذه الحياة الدنيا مليئةً بألوان المحن والبلايا ، والشدائد والرزايا ، والتي يجريها سبحانه وتعالى على عباده امتحاناً واختباراً ، ولابدّ من هـذا البلاء للكشف عن معادن الناس ، فيتميّز الصادق من الكاذب ، والمخلــص من المدّعي ، والمؤمن من المنافق .
ثم أن سنة البلاء التي أقام الله عليهــا هذه الحيــاة فرصــةٌ مهمّــة لتربيــة المؤمنيــن على مـواجهــة المصاعب والمتاعــب ، والإعــداد لتحمّـــل الآلام والشدائد ، مهما كان نوعها أو بلغت شدّتها ، فلا تذهــب نفوسهم حسـراتٍ مع كلّ فاجعة تصيبهم ، أو تجزع قلوبـهم أمام كــلّ محنــة تحــلّ بديارهـــم، ولكن يواجهونها برباطة جأشٍ وثبات جنــان.
ومن شيم المؤمنين وأخلاقهم إذا نزل بهم قضاء الله وقــدره ، أن يلجــؤوا إلى الركن الركين ، والحصن الحصيـن ، ويرفعــوا أكفّ الضــراعة إلـــى خالقهم ، موقنين أن طول البلاء مؤذن بقرب الفرج ، وأن وراء كل محـنة منحة ، ووراء كـــل مصيـبة حكمة .
ولعل القصّة التي حكاها النبي صلى الله عليه وسلــم مثــالٌ حـــيّ علـى النفوس المؤمنة الصابرة ، الراضية الشاكرة ، المربوطــة بالله سبحانــه وتعالى في أحوال الدنيــا وتقلّبــاتهــا ، فاستحقّــت بذلك حصـــول الفَــرَج، واستيفاء الأجر ، على نحوٍ تظهـر فيــه عظمـــة الله وقدرتــه ، وحكمتــه وتدبيـــــــــره .
فنحن أمام قصّة رجل مع زوجته ، عضّهما الفقـر بنابــه ، ونفد كــل مــا لديهما من زاد وطعام ، فلم يجدا بُدّاً من الخروج إلى البرّية ؛ علّهما أن يظفرا بشيء يصلح طعاماً لهما ، ويخفّف من جوعهما .
وطال البحث ، لكن من غيـر طائل ، إذ لم يجــدا شيئــاً ، فقامــت المــرأة تناجي ربّها داعيةً أن يرزقهما شيئاً مــن الطحيــن يصنعــون بـــه خبــزاً يأكلانه ، أو يمنّ عليهم بلحمٍ يطبخانه ، ولعلّــه لم يدر في خاطرهــا أن يكون الفرج الإلهــيّ لهما آية عظيمة يتحــدّث بها التاريـــخ ، ويتناقلهــا الناس إلى قيام الساعــــة .
عاد الزوجان إلى البيت ، فإذا بهما يريان عجباً : وعاء مُــلئ عجينــــاً، ورحىً تطحن الحبّ من غير أن يحـرّكها أحــد ، وفــرن يفــوح برائحــة الشواء ، فانقشعت عنهم الغمّة ، وظهـــر على محيّاهما البِشـــر .
وقام الرجل الصالح فكنس ما حول الرّحى من الطحين ، ولو ترك الأمــر على حاله ، لاستمرّ الحجر في الدوران إلى يوم القيامة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في خاتمة القصّة .
حيث تظهر القصّة في المقام الأوّل قدرة الله تعالى ليزداد المؤمنون إيماناً، وليعلموا أن شواهد القدرة الإلهيّة لا تنقطــع عنهـــم آناء اللـيل وأطــراف النهار ، يرونها بجلاء في كلّ ذرّة من ذرّات هذا الكون الفسيح ، لا يملك أحدٌ إنكارها ، وقد تناولت نصوص قرآنيّة عديدة هذا الجانب مــن صفــات الكمال الإلهيّ ، وإن مظاهر القدرة الإلهيّة في هذا الحديث بيّنة في تهيئة الطعام والشراب للزوجين الصالحين من غير سببٍ ظاهر ، ومن خــــلال الرحى التي كانت تطحن والقدر الذي يُطبخ من غير حاجة إلى أحــد .
كما تبيّن القصّة أيضاً أن الله سبحانه وتعالى يجيب دعاء المضطرّين ، حين ينزل بهم البلاء ، وتحلّ بهم الهموم ، وتضيق عليهم السُبُل ، وتتخاذل عنهم الأسباب إلا سبــب السماء ، كما قال تعالى ممتنّاً علــى عباده : { أم مــن
يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مـع الله قليلا ما تذكرون } ( النمل : 62 ) .
وفي القصّة إثباتٌ للكرامات التي يجريها الله تعالى على يد عباده الصالحيـن، وتكون مخالفة لما اعتاده الناس من نواميس الكون وسننه ، إكــراماً لهــم وتأييداً لحالهم ، وقد تواترت نصوص الكتاب والسنّة على إثبــاتها ، وشــهد التاريخ على وقوعها ، وإن حصرها فيمن استقام على شـــرع الله والتــزم حـــــــــدوده .
وأخيراً : فعلى المؤمن أن يعظم رجاؤه بالله ، وثقته به ، واعتماده عليــه فالفرج يحصل سريعاً مع الكرب ، والعسر لابد أن يعقبه اليسر ، كما قال الله في كتابه : { فإن مع العسر يسرا * فإن مع العسر يسرا } ( الشـــــــــرح : 5 – 6 ) .