منتديات نور الصباح
كليلة ودمنة 133893537771
منتديات نور الصباح
كليلة ودمنة 133893537771
منتديات نور الصباح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةنور الصباحأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كليلة ودمنة

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
مزيان طارق

كليلة ودمنة 9s000642
مزيان طارق


عدد المساهمات : 844
الجنس ذكر
وطني : كليلة ودمنة 1moroc10
السٌّمعَة 0
نقاط 139194
احترام القوانين : كليلة ودمنة 110

كليلة ودمنة Empty
مُساهمةموضوع: كليلة ودمنة   كليلة ودمنة I_icon_minitimeالثلاثاء 09 فبراير 2010, 16:35

كليلة ودمنة

لابن المقفع

أهم وأشهر كتب ابن المقفع على الإطلاق
وهو مجموعة من الحكايات تدور على ألسنة الحيوانات يحكيها الفيلسوف بيدبا
للملك دبشليم، ويبث من خلالها ابن المقفع آراءه السياسية في المنهج القويم
للحُكْم، والمشهور أن ابن المقفع ترجم هذه الحكايات عن الفارسية، وأنها
هندية الأصل، لكن أبحاثًا كثيرة حديثة تؤكد أن كليلة ودمنة من تأليف ابن
المقفع وليست مجرد ترجمة، كما أن بعض هذه الأبحاث يعتقد أن الآراء التي
أوردها ابن المقفع في كليلة ودمنة كانت أحد الأسباب المباشرة لنهايته
الأليمة.


كليلة ودمنة 42vs7


وهذه بعض القصص اخترتها لكم من الشبكة وأترككم مع
القصة الأولى
التي مغزاها " لا تنصح الناس وتنس نفسك "


قال الفيلسوف: زعموا أن حمامة كانت تفرخ في رأس نخلة
طويلة ذاهبة في السماء، فكانت الحمامة تشرع في نقل العش إلى رأس تلك
النخلة، فلا يمكن أن تنقل ما تنقل من العش وتجعله تحت البيض إلا بعد شدة
وتعب ومشقة: لطول النخلة وسحقها، فإذا فرغت من النقل باضت ثم حضنت بيضها،
فإذا فقست وأدرك فراخها جاءها ثعلب قد تعاهد ذلك منها لوقت قد علمه بقدر ما
ينهض فراخها، فيقف بأصل النخلة فيصيح بها ويتوعدها أن يرقي إليها فتلقي
إليه فراخها.
فبينما هي ذات يوم قد أدرك لها فرخان إذ أقبل مالك الحزين فوقع على النخلة.
فلما رأى الحمامة كئيبة حزينة شديدة الهم قال لها مالك الحزين: يا حمامة،
ما لي أراكي كاسفة اللون سيئة الحال?
فقالت له: يا مالك الحزين، إن ثعلباً دهيت به كلما كان لي فرخان جاء يهددني
ويصيح في أصل النخلة، فأفرق منه فأطرح إليه فرخي. قال لها مالك الحزين:
إذا أتاكِ ليفعل ما تقولين فقولي له: لا ألقي إليك فرخي، فارقَ إلي وغرر
بنفسك. فإذا فعلت ذلك وأكلت فرخي، طرت عنك ونجوت بنفسي.
فلما علمها مالك الحزين هذه الحيلة طار فوقع على شاطئ نهر.
فأقبل الثعلب في الوقت الذي عرف، فوقف تحتها، ثم صاح كما كان يفعل. فأجابته
الحمامة بما علمها مالك الحزين. قال لها الثعلب: أخبريني من علمك هذا?
قالت: علمني مالك الحزين. فتوجّه الثعلب إلى مالكاً الحزين على شاطئ النهر،
فوجده واقفاً. فقال له الثعلب: يا مالك الحزين: إذا أتتك الريح عن يمينك
فأين تجعل رأسك? قال: عن شمالي. قال: فإذا أتتك عن شمالك فأين تجعل رأسك.
قال: أجعله عن يميني أو خلفي. قال: فإذا أتتك الريح من كل مكان وكل ناحية
فأين تجعله? قال: أجعله تحت جناحي. قال: وكيف تستطيع أن تجعله تحت جناحك?
ما أراه يتهيأ لك. قال: بلى: قال: فأرني كيف تصنع? فلعمري يا معشر الطير
لقد فضلكم الله علينا. إنكن تدرين في ساعة واحدة مثلما ندري في سنة، وتبلغن
ما لا نبلغ، وتدخلن رؤسكن تحت اجنحتكن من البرد والريح. فهنيئاً لكن فأرني
كيف تصنع. فأدخل الطائر رأسه تحت جناحه فوثب عليه الثعلب مكانه فأخذه
فهمزه همزة دقت عنقه. ثم قال: يا عدوي نفسه، ترى الرأي للحمامة، وتعلمها
الحيلة لنفسها، وتعجز عن ذلك لنفسك، حتى يستمكن منك عدوك، ثم أجهز عليه
وأكله.


كليلة ودمنة 42vs7


والتانية التي مغزاها في التأني السلامة وفي العجلة
الندامة


قال الفيلسوف : زعموا إن المرأة ولدت غلاماً
جميلاً ففرح به أبوه وبعد أيام حان لها أن تتطهر فقالت المرأة لزوجها :
اقعد عند ابنك حتى أذهب إلى الحمام فأغتسل وأعود ثم إنها انطلقت إلى
الحمام، وخلفت زوجها والغلام فلم يلبث أن جاءه رسول الملك يستدعيه ولم يجد
من يخلفه عندابنه غير ابن عرس - حيوان يشبه القط - داجن عنده كان قد رباه
صغيراً فهو عنده عديل ولده فتركه الرجل عند الصبي وأغلق عليهما البيت وذهب
مع الرسول.
فخرج من بعض أحجار البيت حية سوداء فدنت من الغلام فضربها ابن عرس ثم وثب
عليها فقتلها ثم قطعها وا متلأفمه من دمها
ثم جاء الرجل وفتح الباب فالتقاه ابن عرس كالمبشر له بما صنع من قتل الحية.
فلما رآه ملوثاً بالدم وهو مذعور طار عقله وظن أنه قد خنق ولده ولم يتثبت
في أمره ولم يتروى فيه حتى يعلم حقيقة الحال ويعمل بغير ما يظن من ذلك ولكن
عجل أبن عرس وضربه بعكازه كانت في يده على أم رأسه فمات.
ودخل الناسك فرأى الغلام سليماً حياً وعنده أسود مقطع.
فلما عرف القصة وتبين له سوء فعله في العجلة لطم على رأسه. وقال: ليني لم
أرزق هذا الولد ولم أغدر هذا الغدر ودخلت امرأته فوجدته على تلك الحال
فقالت له: ماشأنك فأخبرها بالخبر من حسن فعل ابن عرس وسوء مكافأته له
فقالت: هذه ثمرة العجلة فهذا مثل من لا يتثبت في أمره بل يفعل أغراضه
بالسرعة والعجلة.


كليلة ودمنة 42vs7


مثل القملة والبرغوث
وهو مثل من يصيبه الشر بسبب غيره.


(قال دمنة..زعموا ان قملة لزمت فراش رجل من الاغنياء
دهرا فكانت
تصيب من دمه وهو نائم لا يشعر...وتدب دبيبا رقيقا...فمكثت على ذلك
حينا حتى استضافها في ليلة من الليالي برغوث...فقالت له...بت الليلة
عندنا في دم طيب وفراش لين!فاقام البرغوث عندها حتى اذا اوى الرجل
الى فراشه وثب عليه البرغوث فلدغه لدغة ايقظته واطارت النوم عنه
فقام الرجل وامر ان يفتش فراشه فلم يجد الا القملة...فاخذت فقصعت
وفر البرغوث.)


كليلة ودمنة 42vs7


مثل البطة وضوء القمر

(وهو مثل من يقيس الاشياء بمظاهرها فيخطيء
الصواب.
كخطا البطة التي زعموا انها رات في الماء ضوء القمر فظنته سمكة فحاولت
ان تصيدها...فلما جربت ذلك مرارا علمت انه ليس بشيء يصاد فتركته..
ثم رات من غد ذلك اليوم سمكة...فظنت انها مثل الذي راته بالامس
فتركتها ولم تطلب صيدها.)


كليلة ودمنة 42vs7


مثل الأسود وملك الضفادع

قالَ الغرابُ: زَعَموا أنَّ أسوَدَ مِنَ الحيَّاتِ كَبِرَ وضَعُفَ بَصَرُهُ
وذَهَبَتْ قُوَّتُهُ فلم يَستَطِعْ صَيدًا ولم يَقدِرْ علي طَعامٍ. وإنَّه
انسابَ يَلتَمِسُ شيئًا يَعيشُ به حتي انتَهي إلي عَينٍ كثيرَةِ
الضَّفادِعِ قد كانَ يأتيها قَبلَ ذلك فيُصيبُ من ضَفادِعِها رِزقَهُ.
فَرَمي نفسَهُ قريبًا منهُنَّ مُظهِرًا للكآبَةِ والحُزنِ. فقالَ له
أحدُها: ما لي أراكَ أيُّها الأسوَدُ كئيبًا حَزينًا? قالَ: ومَن أحري
بطولِ الحُزنِ منّي? وإنما كانَ أكثَرُ مَعيشَتي ممَّا كنتُ أُصيبُ مِنَ
الضَّفادِعِ فابتُليتُ ببَلاءٍ حَرُمَتْ عليَّ الضَّفادِعُ من أجلِهِ حتي
إني إذا التَقَيتُ ببعضِها لا أقدِرُ علي إمساكِهِ.

فانطَلَقَ الضِّفدعُ إلي مَلِكِ الضَّفادِعِ فبَشَّرَهُ بما سَمِعَ مِنَ
الأسَودِ. فأتي مَلِكُ الضَّفادِعِ إلي الأسوَدِ فقالَ له: كيف كان أمرُكَ?
قالَ: سَعَيتُ منذ أيامٍ في طَلَبِ ضِفدعٍ وذلك عند المساءِ فاضطَرَرتُهُ
إلي بيتِ ناسِك ودَخَلتُ في أثرِهِ في الظُّلمَةِ، وفي البيتِ ابنٌ
للنَّاسِكِ، فأصَبتُ إصبَعَهُ فظَنَنتُ أنَّها الضِّفدعُ فلَدَغتُهُ فماتَ.
فخَرَجتُ هارِبًا. فتَبِعَني النَّاسِكُ في أثَري ودَعا عليَّ ولَعَنَني
وقالَ: كما قَتَلتَ ابنِيَ البَريءَ ظُلمًا وتَعَدِّيًا أدعو عليكَ أن
تَذِلَّ وتَصيرَ مَركَبًا لملِكِ الضَّفادِعِ فلا تَستَطيعَ أخذَها ولا
أكلَ شيءٍ منها إلاَّ ما يَتَصَدَّقُ به عليك مَلِكُها. فأتَيتُ إليكَ
لتَركَبَني مُقِرًّا بذلك راضِيًا به.

فَرَغِبَ مَلِكُ الضَّفادِعِ في رُكوبِ الأسوَدِ وظَنَّ أنَّ ذلك فَخرٌ له
وشَرَفٌ ورِفعَةٌ. فرَكِبَهُ واستَطابَ ذلك. فقالَ له الأسوَدُ: قد عَلِمتَ
أيُّها الملِكُ أني مَحرومٌ فاجعَلْ لي رِزقًا أعيشُ به. قالَ ملِكُ
الضَّفادِعِ: لَعَمري لا بُدَّ لك من رِزقٍ يَقومُ بكَ إذا كنتَ مَركَبي.
فأمَرَ له بضِفدِعَينِ يُؤْخَذانِ في كلِّ يومٍ ويُدفَعانِ إليه. فعاشَ
بذلكَ ولم يَضُرَّهُ خُضوعُهُ للعَدُوِّ الذَّليلِ بَلِ انتَفَعَ بذلك
وصارَ له رِزقًا ومَعيشَةً.

وكذلك كانَ صَبري علي ما صَبَرتُ عليه التِماسًا لهذا النَّفعِ العَظيمِ
الذي اجتَمَعَ لنا فيه الأمنُ والظَّفَرُ وهلاكُ العَدُوِّ والرَّاحَةُ
منه.

فهذا مَثَلُ أهلِ العَداوَةِ الذينَ لا يَنبَغي أن يُغتَرَّ بهم وإن هُم
أظهَروا تَوَدُّدًا وتَضَرُّعًا

كليلة ودمنة 42vs7


مثل الذئب والغراب وابن آوى والجمل

قالَ شَتْرَبَةُ: زَعَموا أنَّ أسَدًا كانَ في
أجَمَةٍ مُجاوِرَةٍ لطريقٍ من طُرُقِ الناسِ، وكانَ له أصحابٌ ثلاثَةٌ:
ذِئبٌ وغُرابٌ وابنُ آوي. وإنَّ رُعاةً مَرُّوا بذلك الطَّريقِ ومعَهُم
جِمالٌ. فتَخَلَّفَ منها جَمَلٌ فدَخَلَ تلك الأجَمَةَ حتي انتَهي إلي
الأسَدِ. فقالَ له الأسَدُ: من أينَ أقبَلتَ? قالَ: من مَوضِعِ كذا. قالَ:
فما حاجَتُكَ? قالَ: ما يأمُرُني به الملِكُ. قالَ: تُقيمُ عندنَا في
السَّعَةِ والأمنِ والخِصبِ. فأقامَ الأسَدُ والجَمَلُ معه زمانًا طويلاً.

ثم إنَّ الأسَدَ مَضي في بعضِ الأيامِ لطَلَبِ الصَّيدِ، فَلَقِي فيلاً
عَظيمًا فقاتَلَهُ قِتالاً شديدًا وأفلَتَ منه مُثقَلاً مُثخَنًا
بالجِراحِ يَسيلُ منه الدَّمُ، وقد خَدَشَهُ الفيلُ بأنيابِهِ. فلمَّا وصلَ
إلي مكانِهِ وَقَعَ لا يَستَطيعُ حراكًا ولا يَقدِرُ علي طَلَبِ الصَّيدِ.
فَلَبِثَ الذِّئبُ والغُرابُ وابنُ آوي أيَّامًا لا يَجِدونَ طعامًا
لأنَّهم كانوا يأكلونَ من فَضَلاتِ الأسَدِ وطعامِهِ. فأصابَهُمْ وأصابَهُ
جوعٌ شديدٌ وهُزالٌ. وعَرَفَ الأسَدُ منهم ذلك فقالَ: لقد جُهِدتُمْ
واحتَجتُمْ إلي ما تأكُلونَ. فقالوا: لا تُهِمُّنا أنفسُنا. لكنَّا نَري
الملِكَ علي ما نَراهُ فليتَنا نَجِدُ ما يأكُلُهُ ويُصلِحُهُ. قالَ
الأسَدُ: ما أشُكُّ في نصيحَتِكُمْ ولكنِ انتَشِروا لعلَّكُم تُصيبونَ
صَيدًا تأتونَني به فَيُصيبَني ويُصيبَكُم منه رِزقٌ.

فَخَرَجَ الذئبُ والغرابُ وابنُ آوي من عند الأسَدِ فَتَنَحَّوا وائتَمَروا
فيما بينهم وقالوا: ما لنا ولهذا الآكِلِ العُشبِ الذي ليسَ شأنُهُ من
شأنِنا ولا رأيُهُ من رأينا، ألا نُزَيِّنُ للأسَدِ فيأكُلَهُ ويُطعِمَنا
من لحمِهِ? قالَ ابنُ آوي: هذا ممَّا لا نَستَطيعُ ذِكرَهُ للأسَدِ لأنَّه
قد أمَّنَ الجَمَلَ وجَعَلَ له من ذِمَّتِهِ. قالَ الغرابُ: أنا أكفيكُمْ
أمرَ الأسَدِ. ثم انطَلَقَ فدَخَلَ عليه فقالَ له الأسَدُ: هل أصَبتَ
شيئًا? قالَ الغرابُ: إنما يُصيبُ مَن يَسعي ويُبصِرُ. وأما نحن فلا سَعيَ
لنا ولا بَصَرَ لِما بِنا مِنَ الجوعِ. ولكن قد وُفِّقْنَا إلي أمرٍ
واجتَمَعنا عليه إن وافَقَنا الملِكُ فنحن له مُجيبونَ. قالَ الأسَدُ: وما
ذاك? قالَ الغُرابُ: هذا الجَمَلُ آكِلُ العُشبِ المُتَمَرِّغُ بيننا من
غيرِ مَنفَعَةٍ لنا منه ولا رَدِّ عائِدَةٍ ولا عَمَلٍ يُعقِبُ مصلحَةً.

فلمَّا سَمِعَ الأسَدُ ذلك غَضِبَ وقالَ: ما أخطأَ رأيَكَ وما أعجَزَ
مقالَكَ وأبعدَكَ عنِ الوفاءِ والرَّحمَةِ! وما كنتُ حقيقًا أن تَجتَرِئَ
عليَّ بهذه المقالَةِ وتَستَقِلَني بهذا الخِطابِ معَ ما عَلِمتَ من أني قد
أمَّنتُ الجَمَلَ وجَعَلتُ له من ذِمَّتي. أوَ لم يَبلُغْكَ أنَّه لم
يَتَصَدَّقْ مُتَصَدِّقٌ بصَدَقَةٍ هي أعظَمُ أجرًا ممن أمَّنَ نفسًا
خائِفَةً وحَقنَ دَمًا مَهدورًا? أمَّنتُهُ ولستُ بغادِرٍ به ولا خافِرٍ
له ذِمَّةً.

قالَ الغرابُ: إني لأعرِفُ ما يقولُ الملِكُ ولكنَّ النَّفسَ الواحِدَةَ
يُفتَدي بها أهلُ البيتِ، وأهلُ البيتِ تُفتَدي بهمِ القبيلَةُ، والقبيلَةُ
يُفتَدي بها أهلُ المِصرِ، وأهلُ المِصرِ فِدي الملِكِ. وقد نَزَلَتْ
بالملِكِ الحاجَةُ وأنا أجعَلُ له من ذِمَّتِهِ مَخْرَجًا علي أن لا
يَتَكَلَّفَ الملِكُ ذلك ولا يَلِيَهُ بنفسِهِ ولا يأمُرَ به أحدًا.
ولكنَّا نَحتالُ بحيلَةٍ لنا وله فيها صَلاحٌ وظَفَرٌ.

فَسَكَتَ الأسَدُ عن جوابِ الغرابِ عن هذا الخطابِ. فلمَّا عَرَفَ الغرابُ
إقرارَ الأسَدِ أتي صاحِبَيهِ فقالَ لهما: قد كَلَّمتُ الأسَدَ في أكلِهِ
الجَمَلَ علي أن نَجتَمِعَ نحن والجَمَلُ عند الأسَدِ فنَذكُرَ ما أصابَهُ
ونَتَوجَّعَ له اهتِمامًا منَّا بأمرِهِ وحِرصًا علي صَلاحِهِ. ويَعرِضُ
كلُّ واحدٍ منَّا نفسَهُ عليه تَجَمُّلاً ليأكُلَهُ فَيَرُدَّ الآخرانِ
عليه ويُسَفِّها رأيَهُ ويُبينَا الضَّرَرَ في أكلِهِ. فإذا جاءَت نَوبَةُ
الجَمَلِ صَوَّبنا رأيَهُ فهَلَكَ وسَلِمنا كلُّنا ورَضِيَ الأسَدُ عنَّا.

ففعَلوا ذلك وتَقَدَّموا إلي الأسَدِ، فقالَ الغرابُ: قد احتَجتَ أيُّها
الملِكُ إلي ما يَقوتُكَ. ونحن أحَقُّ أن نَهَبَ أنفسَنا لك فإنَّا بك
نَعيشُ فإذا هَلَكتَ فليسَ لأحدٍ منَّا بَقاءٌ بعدَكَ ولا لنا في الحياةِ
من خِيرَةٍ. فليأكُلني الملِكُ فقد طِبتُ بذلك نفسًا. فأجابَهُ الذئبُ
وابنُ آوي أنِ اسكُتْ فلا خَيرَ للملِكِ في أكلِكَ وليسَ فيكَ شِبَعٌ.

قالَ ابنُ آوي: لكن أنا أُشبِعُ الملِكَ فليأكُلني فقد رَضيتُ بذلك وطِبتُ
نفسًا. فَرَدَّ عليه الذِئبُ والغرابُ بقَولِهِما: إنَّك لَمُنتِنٌ قَذِرٌ.


قالَ الذِئبُ: إني لستُ كذلك فليأكُلني الملِكُ فقد سَمَحتُ بذلك وطابَتْ
به نفسي. فاعتَرَضَهُ الغرابُ وابنُ آوي وقالا: قد قالتِ الأطِبَّاءُ مَن
أرادَ قَتلَ نفسِهِ فليأكُلْ لحمَ ذِئبٍ.

فَظَنَّ الجَمَلُ أنَّه إذا عَرَضَ نفسَهُ علي الأكلِ التَمَسوا له عُذرًا
كما التَمَسَ بعضُهُمْ لبعضٍ الأعذارَ فَيَسلَمُ ويَرضي الأسَدُ عنه بذلك
ويَنجو مِنَ المَهالِكِ. فقالَ: لكن أنا فِيَّ للملِكِ شِبَعٌ وَرِيٌّ
ولَحمي طَيِّبٌ هَنِيٌّ وبَطني نَظيفٌ فليأكُلني الملِكُ ويُطعِمْ أصحابَهُ
وخَدَمَهُ فقد رَضيتُ بذلك وطابَتْ نفسي به. فقالَ الذئبُ وابنُ آوي
والغرابُ: لقد صَدَقَ الجَمَلُ وكَرُمَ وقالَ ما عَرَفَ. ثم إنَّهم وثَبوا
عليه فمَزَّقوهُ.

وإنَّما ضَرَبتُ لك هذا المَثَلَ لتَعلَمَ أنَّه إن كانَ أصحابُ الأسَدِ
قدِ اجتَمَعوا علي هَلاكي فإني لستُ أقدِرُ أن أمتَنِعَ منهم ولا أحتَرِسَ
وإن كانَ رأيُ الأسَدِ فِيَّ علي غيرِ ما هُم عليه مِنَ الرأيِ. فإنَّ ذلك
لا يَنفَعُني ولا يُغني عنّي شيئًا. وقد يُقالُ خيرُ السَّلاطينِ مَن
أشبَهَ النَّسرَ وحولَهُ الجِيفُ لا مَن أشبَهَ الجِيفَةَ وحولَها
النُّسورُ. ولو أنَّ الأسَدَ لم يكن في نفسِهِ لي إلاَّ الخيرُ والرَّحمَةُ
لغَيَّرَتهُ كَثرَةُ الأقاويلِ. فإنَّها إذا كَثُرَتْ لم تَكُفَّ دونَ أن
تُذهِبَ الرِّقَّةَ والرَّأفَةَ. ألا تَرَي أنَّ الماء ليسَ كالقَولِ،
وأنَّ الحَجَرَ أشَدُّ مِنَ الإنسانِ? والماءُ إذا دامَ انحِدارُهُ علي
الحَجَرِ لم يَزَلْ به حتي يَثقُبَهُ ويُؤَثِّرَ فيه. وكذلك القَولُ في
الإنسانِ.

قالَ دِمنَةُ: فماذا تُريدُ أن تَصنَعَ الآنَ? قالَ شَتْربَةُ: ما أري
إلاَّ الاجتِهادَ والمُجاهَدَةَ بالقِتالِ، فإنَّه ليسَ للمُصَلِّي في
صَلاتِهِ ولا للمُحتَسِبِ في صَدَقَتِهِ ولا للوَرِعِ في وَرَعِهِ مِنَ
الأجرِ ما للمُجاهِدِ عن نفسِهِ إذا كانت مُجاهَدَتُهُ علي الحَقِّ.

قالَ دِمنَةُ: لا يَنبَغي لأحَدٍ أن يُخاطِرَ بنفسِهِ وهو يَستَطيعُ غيرَ
ذلك.

ولكنَّ ذا الرأيِ جاعِلٌ القِتالَ آخِرَ الحِيَلِ وبادِئٌ قَبلَ ذلك بما
استَطاعَ من رِفقٍ وتَمَحُّلٍ . وقد قيلَ: لا تَحقُرَنَّ العَدُوَّ
والضَّعيفَ المُهينَ ولا سِيَّمَا إذا كانَ ذا حِيلَةٍ ويَقدِرُ علي
الأعوانِ. فكيفَ بالأسَدِ علي جَراءَتِهِ وشِدَّتِهِ!

قالَ شَتْربَةُ: فما أنا بمُقاتِلٍ الأسَدَ ولا ناصِبٍ له العَداوَةَ
سِرَّا ولا عَلانِيَةً ولا مُتَغَيِّرٍ له عمَّا كنتُ عليه حتي يبدو لي منه
ما أتخَوَّفُ فأُغالِبَهُ.

فَكَرِهَ دِمنَةُ قَولَهُ وعَلِمَ أنَّ الأسَدَ إن لم يَرَ مِنَ الثَّورِ
العلاماتِ التي كانَ ذَكَرَها له اتَّهَمَهُ وأساءَ به الظَّنَّ. فقالَ
لشَتْربَةَ: اذهَبْ إلي الأسَدِ فسَتَعرِفُ حين ينظُرُ إليك ما يُريدُ منك.


قالَ شَتْرَبَةُ: وكيف أعرِفُ ذلك? قالَ دِمنَةُ: ستَري الأسَدَ حين
تَدخُلُ عليه مُقعِيًا علي ذَنَبِهِ رافِعًا صَدرَهُ إليك مادًّا بَصَرَهُ
نحوك قد صَرَّ أُذُنَيهِ وفَغَرَ فاهُ واستَوي للوَثبَةِ. قالَ: إن رأيتُ
هذه العلاماتِ مِنَ الأسَدِ عَرَفتُ صِدقَكَ في قَولِكَ.

ثم إنَّ دِمنَةَ لمَّا فَرَغَ من تَحريشِ الأسَدِ علي الثَّورِ والثَّورِ
علي الأسَدِ تَوَجَّهَ إلي كَليلَةَ. فلمَّا التَقَيا قالَ كَليلَةُ: إلامَ
انتهي عَمَلُكَ الذي كنتَ فيه? قالَ دِمنَةُ: قريبٌ مِنَ الفراغِ علي ما
أُحِبُّ وتُحِبُّ.

ثم إنَّ كَليلَةَ ودِمنَةَ انطَلَقا جميعًا ليَحضُرا قِتالَ الأسَدِ
والثَّورِ وينظُرا ما يَجري بينهما وما يَؤُولُ إليه أمرُهُما. وجاءَ
شَتَربَةُ فدَخَلَ علي الأسَدِ فرآهُ مُقعِيًا كما وصفَهُ له دِمنَةُ
فقالَ: ما صاحِبُ السُّلطانِ إلاَّ كصاحِبِ الحيَّةِ التي في صدرِهِ لا
يدري متي تَهيجُ عليه.

ثم إنَّ الأسَدَ نَظَرَ إلي الثَّورِ فرأي الدِّلالاتِ التي ذَكَرَها له
دِمنَةُ فلم يَشُكَّ أنَّه جاءَ لِقِتالِهِ. فواثَبَهُ ونَشَأَتْ بينهما
الحربُ واشتَدَّ قتالُ الثَّورِ والأسَدِ وطالَ وسالَتْ بينهما الدِّماءُ.

فلمَّا رأي كَليلَةُ أنَّ الأسَدَ قد بَلَغَ مِنَ القِتالِ ما بَلَغَ قالَ
لدِمنَةَ: أيُّها الفَسلُ ، ما أنكَرَ جَهلَتَكَ وأسوَأُ عاقِبَتَكَ في
تَدبيرِكَ! قالَ دِمنَةُ: وما ذاكَ? قالَ كَليلَةُ: جُرِحَ الأسَدُ وهَلَكَ
الثَّورُ. وإنَّ أخرَقَ الخُرقِ مَن حَمَلَ صاحِبَهُ علي سوءِ الخُلُقِ
والمبارَزَةِ والقتالِ وهو يَجِدُ إلي غيرِ ذلك سبيلاً. وإنَّما الرجلُ إذا
أمكَنَتهُ الفرصَةُ من عَدُوِّهِ يَترُكُهُ مخافَةَ التَّعَرُّضِ له
بالمُجاهَرَةِ ورَجاءَ أن يَقدِرَ عليه بدونِ ذلك. وإنَّ العاقِلَ
يُدَبِّرُ الأشياءَ ويَقيسُها قَبلَ مُباشَرَتِها، فما رَجا أن يَتِمَّ له
منها أقدَمَ عليه، وما خافَ أن يَتَعَذَّرَ عليه منها انحرَفَ عنه ولم
يَلتَفِتْ إليه. وإني لأخافُ عليك عاقِبَةَ بَغْيِكَ هذا، فإنَّكَ قد
أحسَنتَ القَولَ ولم تُحسِنِ العَمَلَ. أينَ مُعاهَدَتُكَ إيَّايَ أنَّك لا
تُضِرُّ بالأسَدِ في تَدبيرِكَ? وقد قيلَ: لا خيرَ في القَولِ إلاَّ معَ
العَمَلِ. ولا في الفِقهِ إلاَّ معَ الوَرَعِ. ولا في الصَّدَقَةِ إلاَّ
معَ النِّيَّةِ. ولا في المالِ إلاَّ معَ الجُودِ. ولا في الصِّدقِ إلاَّ
معَ الوفاءِ. ولا في الحياةِ إلاَّ معَ الصِحَّةِ. ولا في الأمنِ إلاَّ معَ
السُّرورِ. وقد شَرَطتَ أمرًا لا يَقدِرُ عليه إلاَّ العاقِلُ الرَّفيقُ.

فانتَهي كَليلَةُ من كلامِهِ إلي هذا المكانِ وقد فَرَغَ الأسَدُ مِنَ
الثَّورِ. ثم فَكَّرَ في قَتلِهِ بعد أن قَتَلَهُ وذَهَبَ عنه الغَضَبُ
وقالَ: لقد فَجَعَني شَتْرَبَةُ بنفسِهِ وكانَ ذا عَقلٍ ورأيٍ وخُلقٍ
كريمٍ. ولا أدري لعلَّهُ كانَ بَريئًا أو مَكذوبًا عليه. فحَزِنَ ونَدِمَ
علي ما كانَ منه. وتَبَيَّنَ ذلك في وَجهِهِ وبَصُرَ به دِمنَةُ فتَرَكَ
مُحاوَرَةَ كَليلَةَ وتَقَدَّمَ إلي الأسَدِ فقالَ له: لِيَهنِئكَ
الظَّفَرُ، إذ أهلَكَ اللهُ أعداءَكَ، فما يُحزِنُكَ أيُّها الملِكُ? قالَ:
أنا حزينٌ علي عَقلِ شَتْرَبَةَ ورأيِهِ وأدَبِهِ. قالَ له دِمنَةُ: لا
تَرحَمهُ أيُّها الملِكُ فإنَّ العاقِلَ لا يَرحَمُ مَن يَخافُهُ، وإنَّ
الرَّجلَ الحازِمَ ربما أبغَضَ الرجلَ وكَرِهَهُ ثم قَرَّبَهُ وأدناهُ لِما
يَعلَمُ عندَهُ مِنَ الغَناء والكَفاءَةِ فِعلَ الرجلِ المُتَكارِهِ علي
الدَّواءِ الشَّنيعِ رَجاءَ مَنفَعَتِهِ. وربما أحَبَّ الرَّجلَ وعَزَّ
عليه فأقصاهُ وأهلَكَهُ مخافَةَ ضَرَرِهِ. كالذي تَلدَغُهُ الحيَّةُ في
إصبَعِهِ فيَقطَعُها ويَتَبَرَّأُ منها مخافَةَ أن يَسريَ سُمُّها إلي
بَدَنِهِ.

فَرَضِيَ الأسَدُ بقَولِ دِمنَةَ. ثم عَلِمَ بعد ذلك بكَذِبِهِ وفُجورِهِ
فقَتَلَهُ شَرَّ قِتلَةٍ


كليلة ودمنة 42vs7


باب الجرذ والسِّنَّور

قالَ دَبشَليمُ الملِكُ لبَيْدَبا الفَيلَسوفِ: قد
سَمِعتُ هذا المَثَلَ، فاضرِبْ لي مَثَلَ رجلٍ كَثُرَ أعداؤُهُ وأحدَقوا به
من كلِّ جانِبٍ، فأشرَفَ معهم علي الهلاكِ، فالتَمَسَ النَّجاةَ
والمَخرَجَ بمُوالاةِ بعضِ أعدائِهِ ومُصالَحَتِهِ فسَلِمَ مِنَ الخَوفِ
وأمِنَ. ثم وفي لمَن صالَحَهُ منهم. وأخبِرني عن مَوضِعِ الصُّلحِ وكيفَ
يَنبَغي أن يكونَ.

قالَ الفَيلَسوفُ: إنَّ المَوَدَّةَ والعَداوَةَ لا تَثْبُتانِ علي حالَةٍ
أبدًا. وربما حالَتِ المَوَدَّةُ إلي العَداوَةِ وصارَتِ العَداوَةُ
وِلايَةً وصَداقَةً. ولهذا حوادِثُ وعِلَلٌ وتَجارِبُ. وذو الرأيِ يُحدِثُ
لكلِّ ما يَحدُثُ من ذلك رأيًا جَديدًا. أمَّا من قِبَلِ العَدُوِّ
فبالبأسِ وأمَّا من قِبَلِ الصَّديقِ فبالاستِئناسِ. ولا تَمنَعُ ذا
العَقلِ عَداوَةٌ كانت في نفسِهِ لعَدُوِّهِ من مُقارَبَتِهِ والاستِنجادِ
به علي دَفعِ مَرهوبٍ أو جَرِّ مَرغوبٍ. ومَن عَمِلَ في ذلك بالحَزمِ
ظَفِرَ بحاجَتِهِ. ومَثَلُ ذلك مَثَلُ الجُرَذِ والسِّنَّورِ حين وَقَعا في
الورطةِ فَنَجوا باصطِلاحِهِما جميعًا مِنَ الورطةِ والشِّدَّةِ. قالَ
الملِكُ: وكيفَ كانَ ذلكَ?

قالَ بَيْدَبا: زَعَموا أنَّ شجرَةً عَظيمَةً كانَ في أصلِها جُحْرُ
سِنَّورٍ يُقالُ له رومِيٌّ. وكانَ قريبًا منه جُحْرُ جُرذٍ يُقالُ له
فَريدونُ. وكانَ الصَّيَّادونَ كثيرًا ما يَتَداوَلونَ ذلك المكانَ
يَصيدونَ فيه الوَحشَ والطَّيرَ. فأتي ذاتَ يومٍ صَيَّادٌ فَنَصَبَ
حِبالَتَهُ قريبًا من مَوضِعِ رومِيٍّ فلم يَلبَثْ أن وَقَعَ فيها. فخَرَجَ
الجُرَذُ يَدِبٌّ ويَطلُبُ ما يأكُلُ وهو حَذِرٌ من روميٍّ. فبينما هو
يَسعي إذ بَصُرَ به في الشَّركِ فسُرَّ واستَبشَرَ. ثم التَفَتَ فرأي
خَلفَهُ ابنَ عِرسٍ يُريدُ أخذَهُ وفي الشَّجَرَةِ بومًا يُريدُ
اختِطافَهُ. فتَحَيَّرَ في أمرِهِ وخافَ; إن رَجَعَ وَراءَهُ أخذَهُ ابنُ
عِرسٍ، وإن ذَهَبَ يَمينًا أو شِمالاً اختَطَفَهُ البومُ، وإن تَقَدَّمَ
أمامَهُ افتَرَسَهُ السِّنَّورُ.

فقالَ في نفسِهِ: هذا بَلاءٌ قدِ اكتَنَفَني وشُرورٌ تَظاهَرَتْ عليَّ،
ومِحَنٌ قد أحاطَتْ بي. وبعد ذلك فمَعي عَقلي فلا يُفزِعُني أمري ولا
يَهولُني شأني ولا يَلحَقُني الدَّهَشُ ولا يَذهَبُ قلبي شَعاعًا .
فالعاقِلُ لا يَفَرقُ عند سَدادِ رأيِهِ ولا يَعزُبُ عنه ذِهنُهُ علي
حالٍ. وإنَّما العَقلُ شَبيهٌ بالبحرِ الذي لا يُدرَكُ غَورُهُ، ولا
يَبلُغُ البَلاءُ من ذي الرأيِ مَجهودَهُ فيُهلِكَهُ. وتَحَقُّقُ الرَّجاءِ
لا يَنبَغي أن يَبلُغَ منه مَبلَغًا يُبطِرُهُ ويُسكِرُهُ فيَعمَي عليه
أمرُهُ. ولستُ أري لي من هذا البَلاءِ مَخلَصًا إلاَّ مُصالَحَةَ
السِّنَّورِ، فإنَّه قد نَزَلَ به مِنَ البَلاءِ مثلُ ما قد نَزَلَ بي أو
بَعضُهُ. ولعلَّنا إن سَمِعَ كلامي الذي أُكَلِّمُهُ به ووَعي عنّي صحيحَ
خِطابي ومَحضَ صِدقي الذي لا خِلافَ فيه ولا خِداعَ معه ففَهِمَهُ وطَمِعَ
في مَعونَتي إيَّاهُ نَخلُصُ جميعًا.

ثم إنَّ الجُرَذَ دَنا مِنَ السِّنَّورِ فقالَ له: كيفَ حالُكَ? قالَ له
السِّنَّورُ: كما تُحِبُّ في ضَنكٍ وضيقٍ. قالَ: وأنا اليومَ شريكُكَ في
البَلاءِ. ولستُ أرجو لنفسي خَلاصًا إلاَّ بالذي أرجو لكَ فيه الخَلاصَ.
وكلامي هذا ليسَ فيه كَذِبٌ ولا خَديعَةٌ. وابنُ عِرسٍ ها هو كامِنٌ لي،
والبومُ يَرصُدُني، وكِلاهُما لي ولك عَدُوٌّ. وإني وإيَّاكَ وإن كنَّا
مُختَلِفَي الطِّباعِ لكنَّنا مُتَّفِقا الحالَةِ. والذينَ حالَتُهُمْ
واحدَةٌ وطِباعُهُمْ مُختَلِفَةٌ تَجمعُهُمْ الحالَةُ وإن فَرَّقَتهُمُ
الطِّباعُ. فإن أنتَ جَعَلتَ ليَ الأمانَ قَطَّعتُ حَبائِلَكَ وخَلَّصتُكَ
من هذه الورطَةِ. فإن كانَ ذلكَ تَخَلَّصَ كلُّ واحدٍ منَّا بسَببِ
صاحِبِهِ، كالسَّفينَةِ والرُّكَّابِ في البحرِ فبالسَّفينَةِ يَنجونَ وبهم
تَنجو السَّفينَةُ.

فلمَّا سَمِعَ السِّنَّورُ كلامَ الجُرَذِ وعَرَفَ أنَّه صادِقٌ قالَ له:
إنَّ قَولَكَ هذا لشبيهٌ بالحَقِّ، وأنا أيضًا راغِبٌ فيما أرجو لك ولنفسي
به الخَلاصَ. ثم إني إن فَعَلتَ ذلك سأشكُرُكَ ما بَقيتُ.

قالَ الجُرَذُ: فإني سأدنو منكَ فأقطَعُ الحَبائِلَ كلَّها إلاَّ حَبلاً
واحدًا أُبقيهِ لأستَوثِقَ لنفسي منكَ. وأخَذَ في تَقريضِ حَبائِلِهِ. ثم
إنَّ البومَ وابنَ عِرسٍ لمَّا رأيا دُنُوَّ الجُرَذِ مِنَ السِّنَّورِ
أيِسا منه وانصَرَفا.

ثم إنَّ الجُرَذَ أبطَأَ علي رومِيٍّ في قَطعِ الحَبائِلِ فقالَ له: ما لي
لا أراك جادًّا في قَطعِ حَبائِلي? فإن كنتَ قد ظَفِرتَ بحاجَتِكَ
فتَغَيَّرتَ عمَّا كنتَ عليه وتَوانَيتَ في حاجَتي فما ذلك من فِعْلِ
الصَّالِحينَ. فإنَّ الكريمَ لا يَتَواني في حَقِّ صاحِبِهِ، وقد كانَ لك
في سابِقِ مَوَدَّتي مِنَ الفائِدَةِ والنَّفعِ ما قد رأيتَ. وأنتَ حَقيقٌ
أن تُكافِئني بذلك ولا تَذكُرَ العَداوَةَ التي بيني وبينكَ. فالذي بيني
وبينكَ مِنَ الصُّلحِ حَقيقٌ أن يُنسِيَكَ ذلك معَ ما في الوَفاءِ مِنَ
الفَضلِ والأجرِ وما في الغَدرِ من سوء العاقِبَةِ. فإنَّ الكريمَ لا يكونُ
إلاَّ شَكورًا غيرَ حَقودٍ تُنسيهِ الخَلَّةُ الواحِدَةُ مِنَ الإحسانِ
الخِلالَ الكَثيرَةَ مِنَ الإساءَةِ. وقد يُقالُ: إنَّ أعجَلَ العُقوبَةِ
عُقوبَةُ الغَدرِ. ومَن إذا تُضُرِّعَ إليه وسُئِلَ العَفوَ فلم يَرحَمْ
ولم يَعفُ فقد غدَرَ.

قالَ الجُرَذُ: إنَّ الصَّديقَ صديقانِ، طائعٌ ومُضطَرٌّ، وكِلاهُما
يَلتَمِسانِ المَنفَعَةَ ويَحترِسانِ مِنَ المَضَرَّةِ. فأمَّا الطَّائِعُ
فيُستَرسَلُ إليه ويُؤْمَنُ في جميعِ الأحوالِ. وأمَّا المُضطَرُّ ففي بعضِ
الأحوالِ يُستَرسَلُ إليه وفي بعضها يُتَحَذَّرُ منه. ولا يَزالُ العاقلُ
يَرتَهِنُ منه بعضَ حاجاتِهِ لبعضِ ما يَتَّقي ويَخافُ. وليسَ غايَةُ
التَّواصُلِ من كلٍّ مِنَ المُتَواصِلَينِ إلاَّ طَلَبَ عاجِلِ النَّفعِ
وبُلوغَ مأمولِهِ. وأنا وافٍ لك بما وَعَدتُّكَ ومُحتَرِسٌ منكَ معَ ذلكَ
من حيثُ أخافُكَ تَخَوُّفَ أن يُصيبَني منكَ ما ألجَأَني خَوفُهُ إلي
مُصالحَتِكَ وألجأكَ إلي قُبولِ ذلك منّي. فإنَّ لكلِّ عَمَلٍ حينًا. فما
لم يَكُن منه في حينِهِ فلا حُسنَ لعاقِبَتِهِ. وأنا قاطعٌ حبائِلَكَ
كلَّها، غيرَ أني تارِكٌ عُقدَةً أرتَهِنُكَ بها ولا أقطَعُها إلاَّ في
السَّاعَةِ التي أعلَمُ أنَّكَ فيها عنّي مَشغولٌ وذلك عند مُعايَنَتي
الصَّيَّادَ.

ثم إنَّ الجُرَذَ أخَذَ في قَطعِ حبائِلِ السِّنَّورِ. فبينما هو كذلك إذ
وافي الصَّيَّادُ. فقالَ له السَّنَّورُ: الآنَ جاءَ وقتُ الجِدِّ في قَطعِ
حبائِلي. فجَهَدَ الجُرَذُ نفسَهُ في القَرضِ، حتي إذا فَرَغَ وَثَبَ
السِّنَّورُ إلي الشَّجَرَةِ علي دَهَشٍ مِنَ الصَّيَّادِ، ودَخَلَ
الجُرَذُ بعضَ الأجحارِ، وجاءَ الصَّيَّادُ فأخَذَ حبائِلَهُ مُقَطَّعَةً
ثم انصَرَفَ خائِبًا.

ثم إنَّ الجُرَذَ خَرَجَ بعد ذلك وكَرِهَ أن يَدْنُوَ مِنَ السِّنَّورِ،
فناداهُ السِّنَّورُ: أيُّها الصَّديقُ النَّاصِحُ ذو البَلاءِ الحَسَنِ
عندي، ما مَنَعَكَ مِنَ الدُّنُوِّ إلَيَّ لأُجازِيَكَ بأحسَنِ ما أسدَيتَ
إلَيَّ? هَلُمَّ إلَيَّ ولا تَقطَعْ إخائي، فإنَّه مَنِ اتَّخَذَ صديقًا
وقَطَعَ إخاءَهُ وأضاعَ صداقتَهُ حُرِمَ ثَمَرَةَ إخائِهِ وأيِسَ من
نَفعِهِ الإخوانُ والأصدقاءُ. وإنَّ يَدَكَ عندي لا تُنسي، وأنتَ حَقيقٌ أن
تَلتَمِسَ مُكافَأةَ ذلك منّي ومن إخواني وأصدقائي ولا تَخافَ منّي شيئًا.
واعلَمْ أنَّ ما قِبَلي لك مَبذولٌ. ثم حَلَفَ واجتَهَدَ علي صديقِهِ فيما
قالَ.

فناداهُ الجُرَذُ: رُبَّ صداقَةٍ ظاهِرَةٍ باطِنُها عَداوَةٌ كامِنَةٌ وهي
أشَدُّ مِنَ العَداوَةِ الظَّاهِرَةِ. ومَن لم يَحتَرِسْ منها وَقَعَ
مَوقِعَ الرَّجلِ الذي يَركَبُ نابَ الفيلِ الهائِجِ ثم يَغلِبُهُ
النُّعاسُ فيَستَيقِظُ تحت فَراسِنِ الفيلِ فيَدوسُهُ ويَقتُلُهُ.

وإنَّما سُمِّيَ الصَّديقُ صديقًا لِما يُرجي من صِدقِهِ ونَفعِهِ.
وسُمِّيَ العَدُوُّ عَدُوًّا لِما يُخافُ مِنِ اعتِدائهِ وضَرَرِهِ.
والعاقِلُ إذا رَجا نَفعَ العَدُوِّ أظهَرَ له الصَّداقَةَ، وإذا خافَ
ضَرَّ الصَّديقِ أظهَرَ له العَداوَةَ. ألا تَري تَتَبُّعَ البَهائِمِ
أُمَّاتِها رَجاء ألبانِها فإذا انقَطَعَ ذلك انصَرَفَتْ عنها? وربما
قَطَعَ الصَّديقُ عن صَديقِهِ بعضَ ما كانَ يَصِلُهُ منه فلم يَخَفْ
شَرَّهُ لأنَّ أصلَ أمرِهِ لم يَكُن عَداوَةً. فأمَّا مَن كانَ أصلُ أمرِهِ
عَداوَةً جَوهَرِيَّةً ثم أحدَثَ صداقَةً لحاجَةٍ حَمَلَتهُ علي ذلك
فإنَّه إذا زالَتِ الحاجَةُ التي حَمَلَتهُ علي ذلك زالَتْ صداقَتُهُ
فتَحَوَّلَتْ وصارَتْ إلي أصلِ أمرِهِ . كالماءِ الذي يَسخُنُ بالنَّارِ
فإذا رُفِعَ عنها عادَ بارِدًا. وليسَ من أعدائي عَدُوٌّ أضَرَّ لي منك،
وقد اضَطَّرني وإيَّاكَ حاجَةٌ إلي ما أحَدثنا مِنَ المُصالَحَةِ. وقد
ذَهَبَ الأمرُ الذي احتَجتَ إلَيَّ واحتَجتُ إليك فيه. وأخافُ أن يكونَ معَ
ذَهابِهِ عَودُ العَداوَةِ.

ولا خَيرَ للضَّعيفِ في قُربِ العَدُوِّ القَوِيِّ، ولا للذَّليلِ في قُربِ
العَدُوِّ العَزيزِ. ولا أعلَمُ لكَ قِبَلي حاجَةً إلاَّ أن تكونَ تُريدُ
أكلي. ولا أعلَمُ لي قِبَلَكَ حاجَةً وليسَ عندي بك ثِقَةٌ. فإني قد
عَلِمتُ أنَّ الضَّعيفَ المُحتَرِسَ مِنَ العَدُوِّ القَوِيِّ أقرَبُ إلي
السَّلامَةِ مِنَ القَوِيِّ إذا اغتَرَّ بالضَّعيفِ واستَرسَلَ إليه.
والعاقِلُ يُصالِحُ عَدُوَّهُ إذا اضطُّرَّ إليه ويُصانِعُهُِ ويُظهِرُ له
وُدَّهُ ويُريهِ من نفسِهِ الاستِرسالَ إليه إذا لم يَجِدْ من ذلك بُدًّا.
ثم يُعَجِّلُ الانصِرافَ عنه حينَ يَجِدُ إلي ذلك سبيلاً.

واعلَمْ أنَّ سَريعَ الاستِرسالِ لا تُقالُ عَثرَتُهُ. والعاقِلُ يَفي لمَن
صالَحهُ من أعدائِهِ بما جَعَلَ له من نفسِهِ ولا يَثِقُ به كلَّ
الثِّقَةِ ولا يأمَنُهُ علي نفسِهِ معَ القُربِ منه ويَنبَغي أن يُبعِدَ
عنه ما استَطاعَ. وأنا أوَدُّكَ من بَعيدٍ وأُحِبُّ لك مِنَ البَقاءِ
والسَّلامَةِ ما لم أكُن أُحِبُّهُ لك من قَبلُ. وليس عليكَ أن تُجازِيَني
علي صَنيعي إلاَّ بمثلِ ذلك إذ لا سبيلَ إلي اجتماعِنا، والسَّلامُ .


كليلة ودمنة 42vs7
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tariqko.yoo7.com
ليلين

نائبة المدير العام
نائبة المدير العام
ليلين


عدد المساهمات : 210
الجنس انثى
وطني : كليلة ودمنة 1jorda10
السٌّمعَة 0
نقاط 53505
احترام القوانين : كليلة ودمنة 610

كليلة ودمنة Empty
مُساهمةموضوع: رد: كليلة ودمنة   كليلة ودمنة I_icon_minitimeالثلاثاء 09 مارس 2010, 08:57

شكرا كتير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كليلة ودمنة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات نور الصباح ::  ::   :: القصص و الروايات-
انتقل الى: