طَوَارِئ الْموْت

أظُنها كانتْ تريدُه كما رأته ذاك اليوم..
يوم الخميس..
وبين ذراعيها أخته المريضة
تلاقت النظرات بينها وبينه، كانت سهام حب كما ظنتْ
تمضي الأيام
وتلك النظرات مازالت في ذهني المحبين، مازال هناك أمل لدى ندى ربما ستجد
فارس أحلامها يُنسيها ماضيها وأيامها المريرة، ولا تعلم هل الشعور متبادل
بالنسبة لحُسام يا تُرى؟؟
يلتقيان عند المكتبة بالصدفة
كانت تريد شراء كتاب (كليلة ودمنة) ،علم برغبتها بالشراء بعد أنْ سمع بأخته
بأنها ستقابلها، فاصطنع تلك الصدفة .
رأته بين رفوف الكتب يمشي على حياء، فأطلقت ابتسامتها المشهورة فابتسم
وأشار بعينيه كأنه يريد الكلام..
كان جمالها طفولياً،
وحديثها طفولي،
كانت طفوليه في كل تصرفاتها، حتي في وجهها..
أومأت برأسها وذهبت اتجاهه، ماذا هناك يا حسام؟؟
تبسَّم، وسألها كيف ترينني؟؟
ضحكت بعفوية، فردَّت عليه : أراك رجلاً !!
ضحك، لكلامها وقال لها: أريدُ أن آتي إلى بيتكم لخطبتك فهل أنتِ موافقة
بحسام كزوج لك؟؟
صمتت كثيرا، وتذكرتْ مسؤولية الزواج وما يترتب عليه ، وفجأة أُغمي عليها،
كانت صحتها جيدة إلا أنها مصابة بالربو، ولم يكن أي أثر لاختناقها، ربما
سقطت بسبب بُنيتها الضعيفة المصابة بالأنيميا..
لم يفهم حسام ماذا حدث!!
حملها على استعجال و نادى أخته، وذهبا بها إلى منزلها ومازالت فاقدة الوعي،
استقبلتهما والدتها بفزع وحيرة، لبست حجابها وذهبت برفقتهم إلى أقرب مشفى
(مشفى الياسمين) هكذا كان اسمها،
قسم الطوارئ مباشرة نقلوها..
وضع لها الطبيب كمامة أكسجين بعد أن انخفض في جسمها، وحقن يدها بثلاث إبر
لم تعرف سببها والدتها، ولا شك أن لكل إبرة أضرار جانبية.
كانت تفوح من الطبيب رائحة السجائر والحشيش، وكأنه أحد المدمنين الذي ينبغي
له أن يتعالج بدل أن يُعالج...
سألت الوالدة الطبيب : ماذا بها؟؟
أجابها : أظنها أزمة !!
ابتسمت الوالدة ابتسامة غيظ تظنها أزمة ولقد حقنتها بتلك الإبر
نظر الطبيب إلى الوالدة وطلب منها أن تغادر الغرفة حالاً
وخرج الطبيبْ مسرعا إلى حجرة مظلمة لا يدري أحد ماذا فيها..
ويعود الطبيب ورائحته نَتنة من السجائر، وحملة إبرة وحقن ندى في يدها مرة
أخرى استيقظت ندى تصرخ ، وضربات قلبها عادت مسرعة من أثر الإبرة وبدأت
تنادي: (أمي، أمي، أمي) قبل أن أموت أريد أمي ، ستقتلني أيها ... ستقتلني
أنت.
فزع الطبيب وذهب ونادى والدتها على عجل ووجهه مُبيَض من الخوف،
دخلت الوالدة على ابنتها بعد أن همدت المسكينة بإبرة مهدئة والدموع على
وجنتيها..
نظرت الوالدة الى الطبيب وسألته: ماذا حلَّ بابنتي
نظر الطبيب وقال لها: يجب عليك أن تنقليها الى طبيب آخر بعد أن تستيقظ فنحن
طوارئ فقط...
بعد أن استيقظت ندى، كانت حالتها مُزرية، أخذتها والدتها الى المنزل ، وفي
الصباح الباكر كانت ندى تُعاني من ألم في موضع قلبها..
ذهبت الى طبيبها الذي لا يفتح أبواب عيادته إلا في الصباح، ذهبت إليه برفقة
والدتها وصديقتها وحسام الذي أصرًّ على مرافقتهم لعدم وجود عود يستندون
إليه فوالد ندى مسافر وهي الوحيدة.
دخلت ندى عند الطبيب بوجه شاحب،
سألها: ماذا حلَّ بفتاتنا؟؟
لم تُجب، فالألم سينطق بدل اللسان ربما، أخذ يدها ونظر إليها وتعجب لحالها،
كانت متورمة وأماكن الحقن مُخضرَّة.
وسألها: ماذا حلَّ بيدك؟ وقال مازحا هل أصبحت مدمنة مخدرات؟؟
فأخبرته والدتها بما جرى ، فطلب منها أن تحضر له كشفا بأسماء الإبر التي تم
حقنها بها من تلك المشفى.
ذهبت مسرعة إلى ذاك المشفى وطالبتهم بكشف بالإبر التي تم حقنها لندى ليلة
أمس، فطلبت الموظفة من الوالدة اسم المريضة ، فلم تجد في قائمة المرضى ليلة
أمس أي إسم للمريضة، فأكدت لها أنه تم استقبالها في قسم الطوارئ تحديدا،
ولم تجد أي أثر لوجودهاأإو خضوعها للعلاج يوماً.
عادت الوالدة إلى الطبيب مستاءة، وأخبرته بما جرى
سارع الطبيب بأخذ عينة دم من ندى لتحليلها .
غاب الطبيب ساعتين بعد أن نامت ندى على سرير المرضى والوالدة في حالة
انتظار مرير، دخل الطبيب حاملا أوراق التحليل .
سألت الوالدة: هل ظهر نتيجة التحليل،
أجابها الطبيب: نعم ظهرت ان ابنتك رحمة الله كانت بجانبها، لقد حقنت بمادة
(الكورتزون) بنسبة كبيرة ولقد تُأَثِّر على قلبها أو ربما أثرت، وتمَّ
حقنها بمحلول كان يجب أن يخفف ونسبته عالية في دمها، ولقد قمت بقياس مستوى
ضغطها كان منخفض جداً، سأكتب لها مكملات غذائية وأتمنى أن ترتاح، وإذا
أحسَّت بأي أعراض أحضريها وإذا كانت عيادتي مغلقة اتصلي بي خُذي هذا رقمي.
السماء ملبدة بالغيوم،والجو متقلب كأنها رسالة من الطبيعة لكارثة تنتظر
أحدهم..
تصرخ ندى ممسكة في صدرها ورأسها، تُحاول النهوض
تصرخ مجددا (أمي أمي)
تُهرول الوالدة مُسرعة ، وتطلق ندى صرخة مُؤلمة وتسقط أرضاً على رأسها.
اتصلت الوالدة بالطبيب مباشرة ليساعدها فعيادته بعيدة، جاء الطبيب مسرعا مع
سيارة إسعاف لأحد مستشفيات الدولة الكبيرة.
تم نقلها إلى المشفى، تحديدا في غرفة العناية المركز بعد أخذ عينات لازمة
للفحوصات...
مرت ساعات وساعات... دقات القلب كما في الجهاز تنتظم وتعود لتذبذب ويصعقها
الطبيب بالجهاز حتى تنتظم، وفجأة توقف القلب وهمدت الأنفاس وكل شئ زال
ويبقى وجه الله ذو الجلال والإكرام،
حاول الأطباء بجميع الطرق إعادة النبض لكن دون جدوى..
لقد أكملت عدد أنفاسها في هذه الحياة وعمرها عشرون سنة..
وظهرت نتيجة التحاليل التي تؤكد بأن سبب وفاتها حقنة (الكورتزون) والمحاليل
المركزة التي كان يجب أن تُخفف ، ماتت ندى بسبب طبيب فاسد كان تحت أثر
الحشيش والهروين ، لقد تمَّ التحقيق معه بعد أن أنكر أقوال الوالدة التي
تصرح فيها أن رائحته كانت تفوح منها رائحة السجائر والحشيش، وكشف تحليل دمه
أن الطبيب من مدمني المخدرات..
لاإلــه إلا الله..
طبيب فاسد في طوارئ الموت
دمَّر أحلام شابَّة كانت في بداية أن ترسم لها أمل..
وحلم شاب في بداية تكوين أسرة، وأحلام
وأفقد صواب والدة كانت إبنتها هي الوحيدة و قُرة عينها..
أسأل الله العلي القدير .. أن يغفر لنا ويتغمدنا برحمته
اللهم استرنا فوق الأرض وتحت العرض ويوم العرض..