عدد المساهمات : 844وطني : 0 139704احترام القوانين :
موضوع: الحديث وقيمته العلمية والدينية الثلاثاء 05 يناير 2010, 12:03
إنَّ الحمد لله، نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونستهديهِ،</STRONG> ونعوذُ باللهِ من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا </STRONG> من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له.</STRONG> وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.</STRONG> من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنَّه </STRONG> لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. </STRONG></STRONG> أمـــا بعد :-</STRONG>
</STRONG>
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته</STRONG> </STRONG> باسم الله الرحمان الرحيم</STRONG> </STRONG> أهلا و سهلا بكم أعزائي أعضاء و زوار منتديات نور الرحمن
بسم الله الرحمان الرحيمـ.. في هاذا الموضوع سنتطرق لـ : الحديث وقيمته العلمية والدينية</STRONG> بسم الله نبدأ</STRONG>
الحديث وقيمته العلمية والدينية
لعلَّ علم الحديث رواية ودراية هو مما تتمثل فيه العبقرية الإسلامية أكثر من غيره من العلوم حتى الفلسفة وعلم الطبيعة والرياضيات. وقد يبدو هذا الرأي غريباً في بادئ النظر، ولكن لا غرابة وهذه العلوم قد قيل إن المسلمين لم يبتكروا فيها شيئاً، وإنما نقلوها نقلاً مجرداً عن الأمم السالفة، بخلاف علم الحديث، فإنه من وضع المسلمين وابتكارهم، ولا يستطيع أحد أن يقول غير ذلك ولا أن يشكك فيه. وليس هذا فقط، فإن الدارس لهذا العلم المتعمق فيه، قد يطلع منه على آفاق رحيبة من الأبحاث المنهجية، والدراسات الموضوعية، في علم الأخلاق، والاجتماع، والقانون، والسياسة، والاقتصاد، فلا يكون عنده أدنى ريب في أن الحضارة الإسلامية، مبناها على هذا العلم، وأنها إن استفادت من معارف يونان وفارس والهند شيئا فإنها في عناصرها النفسية، إنما ترجع إلى كتاب الله:
1 - أهمية دراسة السنة النبوية
2- أصل علم الحديث
3 - أول من أمر بتدوين الحديث
4 - الموطأ أول مؤلف جامع في الحديث
5 - تدوين السنة في القرن الثالث الهجري
6 - الاهتمام بالإسناد
7 - الاهتمام بعلم الجرح والتعديل
8 - أهمية هذا المنهج
9 - علم الحديث وانعكاساته على النهضة العلمية
1 - أهمية دراسة السنة النبوية:
والسنة المبينة له، وقد جرى الناس على أن ينظروا لعلم الحديث نظرة دينية بحتة، فهم لذلك يسقطونه من الحساب إذا ذكروا العوامل التي أدت إلى نهضة العالم الإسلامي، تلك النهضة التي آتت أكلها الشهي منذ الجيل الأول الذي تلا ظهور الإسلام وما زالت تنمو وتعظم حتى بلغت في القرن الخامس الهجري إلى ما لم تبلغه في أمة أخرى قبل ذلك، ولكنهم مخطئون في هذا النظر: ولو شاءوا أن يعرفوا الحقيقة من غير أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث في هذا الموضوع، لاقتصروا على التفكير في أن الرسول -صلوات الله عليه وسلامه-، لبث في قومه بعد الرسالة ثلاثاً وعشرين سنة يتلو عليهم آيات الله، ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، وقومه هم العرب الذين يعرف الناس أنهم ليسوا بشعب غبي ولا بدائي، وهم في الوقت نفسه كانوا مكتنفين بشعوب حية وبقوم من يهود ونصارى لا يفتأون يعارضون دعوته ويوردون عليها مختلف الإيرادات، فهو لم يقصر دعوته على مسائل الدين فقط، ولم يكن يعلم المسلمين أمور العبادات فحسب بل كان يعلمهم آداب السلوك وأحكام المعاملة، من البيع، والشراء، والصرف، والحوالة، والسلف، والرهن، وما إلى ذلك، ويلقنهم أساليب الحرب، وطرق الحكم، ويرشدهم إلى السياسات المختلفة في علاقتهم مع الدول الموالية والمعادية، ويتولى قسم الأموال بينهم، وتوزيع الأراضي المغلة عليهم، ويعقد المجالس الاستشارية كلما حز به أمر ليقبح لهم الاستبداد، ويقفهم على أسباب حياة الأمم وهلاكها ليعرفوا كيف يحافظون على كيانهم إذا صار الأمر إليهم من بعده، وهكذا لم يدع شاذة ولا فاذة مما به قوام الحياة، ونظام الدنيا إلا علمهم إياه، ألم يقل الكفار لسلمان -رضي الله عنه-: «لقد علمكم نبيكم كل شيء»(1)، بل أنه في تنزلاته معهم كان يخاطبهم بدقائق المعارف ويجيب على أسئلتهم الطبية والطبيعية بما لم ينقضه العلم حتى الآن، ويصحح لهم أغلاط الاخباريين من أهل الكتاب وأغلاط عرفائهم في تفسير الظواهر الجوية ونحوها حتى لقد دعا ذلك اليهود أن يسألوه عن حقيقة الروح {ويسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} [سورة الإسراء:85].
إن مجرد استعراض سريع على هذا النمط، لسيرته -عليه الصلاة والسلام- كاف ليعرف من لم يكن يعرف أن علم الحديث هو جماع المعارف الإسلامية سواء الدينية منها والدنيوية، وإذا كان هذا في عهده -صلى الله عليه وسلم- فما ظنك بهذا العلم وقد تناولته القرائح الخصبة والأفكار الناضجة، وكتب العلماء فيه من الأبحاث القيمة والدراسات الرائعة ما لا يعرف قدره إلا من وقف عليه.
وإذا كان الحديث عن ذلك يطول، فلنكتف بالكلام على أصل هذا العلم والطريقة التي دون بها والجهود التي بذلها العلماء لتمييز صحيحه من سقيمه، وإذا ما يراد بعلم الحديث رواية ودراية، وهو وحده دليل ناهض على عبقرية الفكر الإسلامي الذي يغفل الباحثون عن تتبع آثاره في هذه الميادين.
2 - أصل علم الحديث:
أما أصل علم الحديث فهو أقواله -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله، ونومه، ويقظته، وحركاته، وسكوته، وقيامه، وجوده، واجتهاده، وعبادته، وسيرته، وسراياه ومغازيه، ومزاحه، وجده، وخطبه، وأكله، وشربه، ومشيه، وملاطفة أهله، وتأديبه فرسه، وكتبه إلى المسلمين والمشركين، وعهوده ومواثيقه وألحاظه وأنفاسه وصفاته، مما رواه عنه من الصحابة أربعة آلاف رجل وامرأة، كما يقول الحاكم النيسابوري في كتابه «المدخل إلى الحديث» (ص12 – ط. لندن) صحبوه نيفاً وعشرين سنة بمكة قبل الهجرة ثم المدينة بعد الهجرة، سوى ما حفظوا عنه من أحكام الشريعة وما سألوه عن العبادات والحلال والحرام وتحاكموا إليه فيه، وقد تأدى ذلك من الصحابة إلى التابعين فمن بعدهم إلى عصر التدوين.
3 - أول من أمر بتدوين الحديث:
وكان عمر بن عبد العزيز أول من أمر بتدوين الحديث خوف ضياعه(2).
وأكد هذا الأمر أبو جعفر المنصور فانتدب لذلك ابن شهاب الزهري، وكان سابق الحلبة، إلا أن عمله إنما كان تدويناً مجرداً من غير تبويب ولا ترتيب، وأما الجمع مرتباً على الأبواب، فوقع في نصف القرن الثاني، وكان ممن قام بذلك ابن جريج بمكة، ومالك، وابن إسحاق بالمدينة، وهشيم بواسط، ومعمر باليمن، وابن المبارك بخرسان، والربيع بن صبيح، وسعيد بن أبي عروية، وحماد بن سلمة بالبصرة، وسفيان الثوري بالكوفة، والأوزاعي بالشام، وجرير ابن عبد الحميد بالري(3).
4 - الموطأ أول مؤلف جامع في الحديث:
وكان الذي ألف مالك هو كتابه «الموطأ» ولعله الكتاب الوحيد الذي وصلنا بالرواية الصحيحة من تآليف هذا العصر، ولذلك نتخذه نموذجاً للطريقة التي دون بها علم الحديث في أول الأمر، والموطأ وإن لم يكن في الواقع كتاب حديث مجرد؛ لأنه يحتوي على كثير من الفقه والاستنباط وأقوال السلف ومذاهب الصحابة، إلا أنه فيما اشتمل عليه من الحديث يعطينا فكرة صادقة عن الجهد الذي بذله الإمام مالك في تحري الأحاديث الصحيحة، وعدم الرواية إلا عن الأعلام الأثبات الثقات، فقد قيل أنه لما ألفه أولاً كان يشتمل على نحو عشرة آلاف حديث، ولم يزل ينتقي منه ويختار حتى لم يبق منه إلا نحو ألف حديث، وهذه النسبة وهي واحد من عشرة أو قل عشرة من مائة هي التي عمل عليها تقريباً جل المؤلفين في الحديث بعد ذلك لا سيما أئمة الصحيح، بل أنها لتنزل عند بعضهم إلى أقل من ذلك بكثير مع العلم بأنها نسبة على ما ثبت عندهم من الأحاديث ووقع لهم فيه اشتباه ما، لا أنها نسبة إلى محفوظهم فإن هذا كثير يكاد لا يسلم به أهل هذا العصر الذين ضعفت أو انعدمت فيهم بالمرة ملكة الحفظ، ناهيك بما قيل عن الإمام أحمد بن حنبل من أنه كان يحفظ مليون حديث(4).
ورتب الإمام مالك كتابه «الموطأ» على الأبواب والمسائل، فهو يخرج الحديث الشاهد في أول الباب أو في أثنائه، ثم يخلل الباب بالآثار والأقوال الثابتة عن الصحابة وأئمة السلف في الموضوع ويأتي بباب اسمه الجامع يروي فيه متفرقات من الباب لا تصلح أن تفرد بترجمة، وقد ختم الكتاب كذلك بباب واسع سماه الجامع وضمنه أحاديث في السنن والأخلاق وآداب السلوك ونحو ذلك، قيل وهو أول من ابتكر هذا الصنيع في التأليف أي جمع المسائل المتفرقة في باب اسمه الجامع، وعلى ما نرى طريقة الإمام مالك في تأليفه للموطأ برغم قدم الزمن هي من أحسن الطرق التي ألفت عليها كتب السنة فيما بعد واتبعها معظم المحدثين إلى المائة الثالثة.
5 - تدوين السنة في القرن الثالث الهجري:
وفي المائة الثالثة نشطت حركة جمع الحديث نشاطاً كبيراً، وتناولت مختلف وجوه العمل لتأليفه وتبويبه وتخليصه من الزيف والعلة، فألف البخاري «جامعه» الذي هو أول كتاب ألف في الصحيح، وكذا مسلم صاحب ثاني الصحيحين، وألف بقية أصحاب الكتب الستة كتبهم وهي التي تلقاها المسلمون بالقبول، ويقول السيوطي أن الحديث إذا أخرجه أحد هؤلاء المؤلفين الستة فليروه الإنسان مطمئناً إليه(5).
وكان التأليف في هذا العصر على أوضاع مختلفة منها ما بقي محافظاً على وضعه الأول الذي كان أكثر العمل عليه عند بدء التأليف وهو جمع أحاديث كل راوٍ على حدة وإن اختلفت موضوعاتها، وهذا ما يسمى بالمسند وهو النهج الذي اتبعه الإمام أحمد ابن حنبل في كتابه العظيم المسمى بـ«مسند أحمد»، ومنها ما ألف على الأبواب والمسائل، وهي طريقة مالك في «الموطأ»، ومنه ما يكون عاماً شاملاً لأحاديث العبادات والعادات والأحكام والحكم والتواريخ والرقاق وغير ذلك وهو المسمى بالجامع ومنه «الجامع الصحيح» للإمام البخاري وغيره، ومنه ما يقتصر على السنن والأحكام كـ«سنن أبي داود»، ومنه ما يخص موضوعاً بعنيه أو مسالة واحدة فقط كـ«شعب الإيمان» للبيهقي، و«القراءة في الصلاة» للبخاري إلى غير ذلك.
واستمر هذا النشاط وخلص إلى القرون التالية فاتخذ أشكالاً وأنواعاً من العناية بالحديث، سواء من حيث الرواية والجمع أو من حيث الشرح والفهم والتفريع والاستنباط، وفي هذا الأمر يقال حدِّث عن البحر ولا حرج.
6 - الاهتمام بالإسناد:
وعلى كل حال فقد صحب عملية الجمع والتدوين عملية الانتقاء والاختيار، والجهود التي بذلها العلماء في ها الصدد لا يوجد لها نظير عند غير المسلمين، ومن ثم قيل «إن الإسناد من خصائص هذه الأمة»(6) أي تتبع رواة الحديث واحداً فواحداً والبحث عن حالهم من الحفظ والضبط والعدالة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال ابن حزم: نقل الثقة حتى يبلغ به النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومع الاتصال شيء خصص به المسلمون دون جميع الملل..
ولا تغفل عما في هذه الخصيصة من ميزة للدين الإسلامي لا يشاركه فيها غيره من الأديان، وهي ثبوته بالنص القاطع والرواية الصحيحة، فلا جرم أن يقول عبدالله ين المبارك «الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء»(7)، وقوله هذا دليل على أن القوم كانوا في تمييزهم للحديث الصحيح من السقيم يستبرئون لدينهم كما كانوا يتحرون المنهج العلمي الصحيح.
ويروى عن عبدالله بن المبارك -أيضاً- أنه كان يقول: «بيننا وبين القوم القوائم»( أي: الإسناد، وهذا يبين طريقتهم العملية في نقد الرجال، فإنهم جعلوا قوائم بأسماء الرواة ورتبوها بحسب القوة والضعف ترتيبا يكون هو الحكم في قبول الحديث أو رده، فإذا لم يعرف حال الراوي ترك الحديث وكذا إن سقط من سنده أحد الرواة وإن كان في السند ثقات فقد جاء في مقدمة الصحيح لمسلم بن الحجاج: «وقال محمد -يعني ابن عبدالله بن تهزاد-: سمعت أبا إسحاق بن إبراهيم بن عيسى الطالقاني قال قلت لعبدالله بن المبارك يا أبا عبدالرحمن الحديث الذي جاء «إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك وتصوم لهما مع صومك»، فقال عبدالله يا أبا إسحاق ممن هذا؟ قال: قلت له هذا من حديث شهاب بن خراش فقال: ثقة عمن؟ قال: قلت عن الحجاج بن دينار قال: ثقة، عمن؟ قلت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يا أبا إسحق إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة اختلاف»(9).
7 - الاهتمام بعلم الجرح والتعديل:
ونوه الأستاذ (أدم متز) في كتابه «الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري» بالدور العظيم الذي قام به علماء الحديث في تدوين السنة النبوية وخدمتها فقال: «وقد اعتنى نقاد الحديث منذ أول الأمر بمعرفة رجال الحديث وضبط أسمائهم والحكم عليهم بأنهم ثقات أو ضعفاء، ثم نظروا في الأساس الذي ينبني عليه هذا الحكم أعني الصفات التي يجب توفرها في المحدث الثقة وهو ما يعرف بالجرح والتعديل... وقد أدت بهم حاجتهم إلى السند المتصل أن يتجاوزوا البحث في حياة الرواة والحكم عليهم إلى عمل تاريخ كامل لهم، وهكذا وجدت تواريخ القرن الثالث الهجري مثل «تاريخ البخاري» و«طبقات ابن سعد» الخ..(10).
وقد أثر هذا المنهج بدقته وضبطه على العقلية العربية فظهر مفعوله في علوم أخرى كاللغة والأدب والتاريخ، وابن قتيبة الذي يعد من أوائل نقاد الأدب والشعر خاصة بما كتبه في مقدمة كتابه «الشعر والشعراء» لم يكن إلا متأثراً بمعارفه الحديثية والإخبارية ومنهج النقد عند المحدثين الذين هو منهم وإليهم.
بل إني لا أشك في استفادة ابن خلدون من منهج أهل الحديث واستمداده من طرق نقدهم فيما وضعه من قواعد لعلم الاجتماع وفلسفة التاريخ، إن الأمثلة التي أعطاها مسلم بن الحجاج لمعرفة المنكر من الحديث هي بعينها المقاييس التي طبقها ابن خلدون لتمييز الزائف من الصحيح من أخبار المؤرخين، وهكذا نرى أن علم الحديث يبسط جناحه على الثقافة الإسلامية لا يمتنه وروايته فقط بل ولاصطلاحه على الثقافة وما يسمى عند علمائه بعلم الحديث دراية -أيضاً-.
ومن المعلوم أن هذا لم يكن هو القصد الأول من الحديث وتدوينه فإنه إنما جاء عرضاً وكان فتحاً من فتوحات هذا العلم المبارك الذي استوعب ضروب النشاط الفكري عند المسلمين، وحفزهم من أول يوم إلى اقتحام سبل المعرفة وطلب العلم ولو بالصين(11) فوجدت تلك النهضة العلمية الكبرى التي عمت البلاد الإسلامية من شرقها إلى مغربها والتي لم تنفصل في أساسها قط عن مدارك القرآن الكريم والحديث الشريف، وهو ما يفسر لنا حرص أعلام الفكر الإسلامي على الأخذ بحظهم من هذا العلم وتمسكهم عبر التاريخ بالمشاركة فيه حتى ولو انوا من الفلاسفة والأطباء والفلكيين أمثال ابن سينا وابن رشد ونصير الدين الطوسي وعبد اللطيف البغدادي وغيرهم، بل لقد قيل بتلازم علم الحديث وعلم النبات؛ لأنهما معا مما يدرك بالرحلة ولا يبلغ أحد فيهما شأوا إلا بالتنقل في البلاد.
8 - أهمية هذا المنهج:
لم يكن هذا هو القصد الأول من حركة تدوين الحديث، وإنما كان هذا القصد هو جمع الحديث خوف ضياعه، فقد جاء فيما كتب به عمر ابن عبدالعزيز إلى أبي بكر بن حزم في الموضوع أنه قال له: «انظر ما كان من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء».
والواقع أنها كانت حركة إنقاذ للعلم الإسلامي الذي لم يكن عند القوم غيره، وكانوا إنما يعتمدون فيه على الحفظ والاستظهار، فلما أسرع الموت إلى رجاله ونقلته، خاف الخليفة العادل من جراء ذلك على هذا العلم ما خافه الخليفة الأول على القرآن من الضياع لما استحر القتل في الصحابة وأمر بجمع المصحف، فكذلك أمر عمر بن عبدالعزيز بكتابة الحديث وهو بعد القرآن منتهى علم المسلمين إذ ذاك، فجدوا في الأمر واجتهدوا وقاموا بما لم تقم به أمة في العمل على حفظ كلام نبيها وأخباره وأحواله، ودونوا ذلك واقتبسوا منه الحكم والأحكام والمعارف والأسرار، ولم ينظروا إليه قط تلك النظرة الضيقة التي تحصره في حيز الفكر الديني بل اعتبروه تراثاً علمياً طائلاً درسوه وتعمقوا فيه مدة قرن من الزمن حتى إذا اتسعت أمامهم آفاق المعرفة ونقلت إليهم علوم الأوائل من فلسفة وطبيعة ورياضيات لم يزدهم ذلك إلا توسعاً وتفريعاً لأصوله وتأسيساً لقواعده، فإنهم لم يقولوا في يوم من الأيام بالفصل بين العلم والدين ولا رجحوا كفة المادة على الروح؛ لأن الدين هو الإسلام، والإسلام والعلم لا يختلفان، ولأن المادة كانت دائماً وسيلتهم إلى السمو بالروح، والوسائل عندهم تعطي حكم المقاصد، فلذلك كانوا في المزاوجة بين المعارف الإلهية والعلوم الكونية كالطائر بين جناحين لا يميل مع أحدهما إلا كان مهددا بالوقوع.
9 - علم الحديث وانعكاساته على النهضة العلمية:
وهكذا كان عملهم في تدوين الحديث مبادرة علمية بالمعنى العام الذي يشمل علوم الحياة بأجمعها مما وصل إليه اجتهادهم، ووعته عقولهم، ولا يختص ديناً ولا علماً كماً، حتى بدأ عهد الترجمة ونشأت تلك النهضة العلمية الكبرى التي كان علم الحديث من روادها الداعين إليها والمشجعين عليها، فتميزت العلوم حينئذ وسار كل في طريقه من غير تقاطع ولا تدابر، ولا تبجح، فإن ما معها هو العلم دون سواه، بل إن الاعتراف المتبادل وروح التعاون بين الفكر الفلسفي والديني كانا هما التقليد المـتبع الذي أدى إلى وجود فلسفة إسلامية متميزة عن الفلسفة العامة، هي الرشدية التي أثبتت لأول مرة في تاريخ الفكر الإنساني عدم تعارض العلم والدين على ما نجده عند صاحبها أبي الوليد بن رشد في كتابه «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال» وغيره من كتبه الفلسفية..
ولا يفهم من هذا أن الحياة الدينية المحض وما يتعلق بها من الحديث، لم يحظ بعناية خاصة من سلف الأمة في حركة التدوين، ولم يكن حافزاً لهم على ما قاموا به في هذا الشأن من عمل جبار، كلا، فإننا عنينا بإبراز الناحية العلمية، وما كان لها من السيطرة على المسلمين في تلك الحركة؛ لأنها كثيراً ما تخفى على الباحثين أو لا يعيرونها الاهتمام اللازم، وإلا فإن الحديث المتعلق بالواجبات والسنن والشعائر الدينية على العموم كان من أول ما اعتنى المسلمون بحفظه وروايته، سواء في ذلك الصحابة والتابعون فمن بعدهم، بل إن من الصحابة من تعاطى كتابته كعبدالله بن عمرو بن العاص وذلك بإذن من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فسبق عهد التدوين بزهاء قرن كامل، وفي هذا العهد -أيضاً- كان الباعث الديني من أعظم ما حمل أئمة الحديث وحفاظه على جمعه وكتابته، ألا ترى أن منهم من خص بعض كتبه بالمسائل والقضايا الدينية، وقد ألمحنا إلى ذلك فيما سبق، ككتاب «القراءة في الصلاة» للبخاري، وكتاب «شعب الإيمان» للبيهقي، وكتاب «السنن» لأبي داود وإن كان هذا جامعاً بين أحكام العبادات والمعاملات.
[size=16]الموضوع لكاتبه أبو مالك إبراهيم الفوكي حفظه الله ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
(1) سنن أبي داود ج ل ص 3 ومسند أحمد ج 5 ص 437.
(2) صحيح البخاري ج ل ص 24.
(3) «تدريب الراوي» للسيوطي (ص24).
(4) وفيات الأعيان لابن خلكان ج ل ص 17 وفي خصائص المسند للحافظ المديني/ كتب أبي عشرة آلاف ألف حديث ولم يكتب سوادا في بياض إلا قد حفظه. (الخصائص ص 10 طبعه الخانجي (ومعلوم أن المراد ما يشمل طرق الحديث ورواياته والآثار عن الصحابة وما إلى ذلك.
(5) «تدريب الراوي» (ص55).
(6) «شرح الطرفة» لابن عبد القادر الفاسي (الملزمة 11 ص5)، طبع فاس بهامش حاشية ابن عبد السلام كنون.
(7) «صحيح مسلم» باب في أن الإسناد من الدين (ج ل ص .
( المصدر السابق.
(9) المصدر السابق
(10) «الحضارة الإسلامية» لآدم متر الترجمة العربية لمحمد عبد الهادي أبو ريدة (ج4 ص319).
(11) يروى عن هذا المعنى حديث اطلبوا العلم ولو بالصين وهو على اشتهاره لا أصل له. </STRONG> المصدر link
وأقول لكم </STRONG> حلقوا عالياً في سماء الكلمات الهادفة والراقية </STRONG> وليكن سعيكم دائماً نحو التميز الحقيقي الذي نهدف اليه جميعا</STRONG> لكم مني كل الحب والتقدير والاحترام